الخطبة الأولى
الحمد لله على عطاه وأفضاله، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه ونعوت جلاله، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى جميع صحبه وآله، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، وارجوا رحمته، وخافوا من عقابه، إننا ولله الحمد في هذه البلاد نعيش في أمنٍ وإيمان، وسعة رزق، ومن حولنا بعضهم فقد الأمن فأصبح في خوفٍ وقلقٍ، وبعضهم فقد الإيمان فأصبح في كُفرٍ وشركٍ، وانحراف عن دين الله، فليكن لنا بهم عبرة، ولنتخذ من النظر في أحوالهم طريقا معتداً موصلا إلى الله سبحانه وتعالى، فإن النعم إذا شكرت قرت، وإذا كفرت فرت:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، وقد قص الله علينا خبر من قبلنا من الأمم التي كفرت بالله، وجحدت نعمه ما حل بها من العقوبات من قوم نوحٌ، وعادٍ، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب مدين، والمؤتفكات، وغيرهم من الأمم الماضية التي أهلكها الله جلَّ وعلا بسبب كفرها ومعاندتها لرسل الله بقية آثارهم تدلٌ على أخبارهم، (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا)،(فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً)،(فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)، إن نكن على عبرة من ما حال بهم فنتجنب السبب الذي أهلكهم الله به وهو الكفر بالله، والشرك بالله، وجحود نعمة الله عز وجل، ولننظر إلى من حولنا من الدول التي لا تزال تعاني من الكوارث، والعقوبات بسبب كفرها وشركها وتمردها عن طاعة الله، وتغير دينه، وسنة الله جل وعلا لا تتغير، ولا تتبدل:(سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)، (أَلَمْ نُهْلِكْ الأَوَّلِينَ* ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ* كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)، تخبطون الآن في كفر وضلال، وفي شركِ، وفي فسوق، يتخبطون في دينهم، وفي دنياهم، حلت بهم الزلازل والكوارثُ، زلازل في الأرض، وفيضانات أغرقت زرعهم وديارهم، وشردتهم، وبركانات تثور، تثور بالنار واللهب، تُغير الجو، وتهلك من حولها، وكذلك أموالهم أصيبت بالنكبات والكساد والخسار بسبب أنهم تجرؤ على محارم الله، تعاملوا بالمعاملات المحرمة وتركوا المعاملات المباحة، تعاملوا بالربا، والقمار، تعاملوا بالغش والخديعة، فسلط الله عليهم عقوبات متنوعة ظهرت فيهم الأمراض والأوجاع التي حار الطب على تقدميه حار فيها ولم يجد لها علاجاً، وأنتم تقرؤون وتسمعون ما يحل بما حولكم ليلاً ونهارا، سلط الله عليهم الجبابرة والدول الكافرة تسموهم سوء العذاب، تقطع ديارهم، وتفرق بينهم، وتشتت شملهم، وهذا مصدقا قوله جل وعلا:(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ* وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ* لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)، (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) وذلك بالصواعق، وذلك بالطوفان، وذلك بالرجم بالحجارة، وذلك بالكوارث السماوية، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) بالخسفِ والزلازلِ والبركانات وغير ذلك مما يبعث من الأرض، وشيءٌ تشاهدونه وتسمعون به، وقيل يبعث عليكم(عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) أي من رؤساءكم وقادتاكم وأمراءكم فيُسلطهم الله عليكم ويسمونكم سوء العذاب، (مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) من خدمكم وعبيدكم وأسافلكم فيفسقون في الديار، وينشرون الشر بينكم، وهذا أمرٌ واقع، ولا حول ولا قوة إلا بالله،(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) يفرقكم إلى فرق وأحزاب تتناحر، وتتقاتل، ويذهب الأمن بينهم، ويصبحوا الناس في قلق وفوضى يقتل بعضهم بعضا، ويسبي بعضهم بعضا، ويتسلط بعضهم على بعض، تلك الأحزاب والفرق التي كل واحدٍ منها يزعم أنه على حق(كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وهذا واقعٌ ومُشاهد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، افترقت النصارى على اثنتي وسبعين فرقة، وستفتر هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كُلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله، قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ، وهذا واقع مشاهد، وهذا مستمرُ في الأمة من مقتل عثمان الخليفة الراشد رضي الله عنه، وهذا يتكرر في أمة الإسلام، لكنه يزيد في بعض الأحيان، ويحصر في بعض الأحيان، ولكنه موجود ولا يرفع إلى يوم القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا وقع السيف في هذه الأمة يعني القتل فلن يُرفع إلى يوم القيامة، عقوبةً لهم، فلنتذكر يا عباد الله، ولنخف، ولنتوب إلى الله عز وجل، ولنأخذ على أيدي سفهاءنا، وننصح ولاة أمورنا، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، أن يصبنا مثل ما أصابهم وما ذلك منا ببعيد، إن نحذر، ولنتخذ الأسباب الواقية، ولا نأمن من مكر الله، ولا نأمن من عقوبة الله إذا وجدت أسبابها، وهي موجودة وكثيرة، ولكن الله جل علا يمهل ولا يهمل:(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)،(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ)، فلا نغتر بحلمِ الله، ولا نغتر بالإمهال، هناك من يهون من هذه العقوبات ويقول هذه شيءٌ عادي هذه كوارث طبيعية هذه الحوادث كوارث طبيعية تجري بها العادة، وليست نتيجة لغضب الله، وليست عقوبةً من الله، وإنما هي أشياء عادية جرت على من كان قبلنا، يقولون ظلمتهم الطبيعة، قست عليهم الطبيعة وهكذا من اللفظ الكفرية، والعياذ بالله، مثل ما قالت الأمم الكافرة من قبلهم:(قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ)، يقولون لنبيهم عليهم السلام نبيه هود عليه الصلاة والسلام (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ* إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ* وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)، فماذا كانت عاقبتهم؟ أرسل الله عليهم الريح العقيم (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهم يقولون (وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)،(قَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ) هذا شيء عادي على من قبلنا وليس هو نتيجة للمعاصي هكذا يقولون فيما سبق ويقولنه الآن، يقولون لا تعظوا الناس افتحوا لهم باب الفرح والسرور، لا تكدروا على الناب بهذه المواعظ، لا تذكروهم بالعقوبات، ليس هناك عقوباتٌ إنما هي أمور طبيعية ليست نتيجة للمعاصي ولا للمخالفات هذا سبيل المجرمين من قبل وهو سبيلهم الآن، يهون من هذه الأمور، وينسون الناس ذكر ربهم، ينسون الناس الخوف من الله عز وجل، يغفلونهم عن التوبة والاستغفار، ويهون عليهم هذه الأمور، ويندون ذلك بصحفهم، ومؤلفاتهم في إذاعاتهم وفضائياتهم في وسائل إعلامهم، ولا يستحيون من الله عز وجل، سبيل المجرمين واحد من أول الخليقة إلى آخرها، يقولون:(وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ) هذا من الدهر، ومن تقلبات الأيام، فينسبون هذه الأمور إلى الدهر أو إلى الطبيعة ليس لله ذكرن على ألسنتهم ولا في قلوبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله،(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيانات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، إن الله تعالى يقولُ:(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)، ويقول سبحانه:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، والله جلَّ وعلا يقول أيضاً:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، إنَّه يا عباد الله لا يكفي الدعاء والاستغفار لا بد من التغير من الواقع الذي نعيشه فنغيره من سيء إلى حسن، نغيره من سيءِ إلى حسن حتى يغيروا الله أحوالنا من سيء إلى حسن، فإن الجزاء من جنس العمل:(وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً).
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أمنا في أوطان وأصلح سلطاننا واجعل وليتنا فيمن خافك واتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أمنا في ديرونا، وأصلح ولاة أمورنا، الله قينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيم الجليل يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.