الخطبة الأولى
الحمد لله على فضله وإحسانه، أعطى كل شيء خلقه ثم هدا، أحمده وله الحمد في الآخرة والأولى، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة النجباء، وسلم تسليما كثير، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن حفظ الفروج هو أحد الضرورات التي جاء الشرع بحفظها قال الله سبحانه وتعالى:( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، قال الله جل وعلا:(وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ* وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) والأدلة على الحث على الزواج وتيسيره أدلة كثيرة لما يترتب عليه من المصالح العظيمة التي أعظمها حفظ الفروج حفظها من الضياع وحفظها من الانتهاك ولما يترتب على الزواج من المصالح العظيمة أيضا من حصل النسل والإنجاب التي به تكثر الأمة قال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ، وكذلك ما يترتب على الزواج من تعاون الزوجين على تكوين الأسرة وبناء الأسرة قيام الزوج على الزوجة (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) وكذلك قيام الزوج بالإنفاق على المرأة وكفالتها لأنها ضعيفة تحتاج إلى من يقوم بمئونتها ولو وكلت إلى نفسها في تحصيل الكسب وهي امرأة ضعيفة لم تقدر على ذلك إلا بالشقة والكلفة فالله جعل نفقتها على زوجها، وأيضاً لأجل أن تتفرغ لتربية الأولاد وترتيب البيت وحصول الأنس بينها وبين الزوج فالله سبحانه وتعالى حكيمٌ عليمٌ في تشريعه ومن ذلك انه سبحانه وتعالى شرع الزواج وحث عليه وأمر به لما يترتب عليه من المصالح العظيمة والخيرات الكثيرة فيبادر المسلمون فليبادروا في تزويج مولياتهم قال صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير إن البيوت ملئ بالنساء العانسات التي فآتهن الزواج بسبب التأخر فيه وبسبب أمور كثيرة لا يشعر بها أولياء أمور النساء إن البيوت تأن من كثرة العوانس والبنت إذ فاتا سن الزواج بحقها فإن الرجال ينصرفون عنها وتكون عانسة محرومة من الحياة الزوجية تكون عالةً على غيرها أو تضطر إلى أن تخرج لكسب العيش فيحصل عليه بذلك مخاطر عظيمة فالواجب البدار البدار تزويج الفتيات في سن الزواج الذي يرغب بهن الرجال قبل أن تفوت هذه الرغبة فتبور النساء وتتعطل ف بيوت آباءهن، ثم إن أيضا إن تأخير الزواج للفتيات وهن في سن الشباب وما فيهن من الغريزة من حب الزوج والزواج ومن حب الاستمتاع قد يحمل الفتاة على التعلق بالشباب أو بالشابات عن طريق العشق والغرام فكم يذكر في مدارس البنات وفي مجمعات البنات من تعلق بعضهن ببعض بالعشق والغرام حتى ربما يكتفي بعضهن ببعض من شدة الحاجة وأشد من ذلك أن الفتاة ما دامت في سن الفتوه فإن الفساق يغازلونها ويخاطبونها خصوصاً بواسطة الجوالات والانترنت وغير ذلك من وسائل الاتصال فهي في بيت أهلها صورة وأما قلبها وأما رغبتها فهي مع من يخاطبها ويكلمها من البعد.
فتقوا الله، عباد الله، كم فسددت من بنات؟ بسبب تأخير زواجهن وهذا ما أشر إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا أي تزوجوا الكفء إذا جاء تكن فتنة في الأرض وفساد كبير وفي رواية: وفساد عريض وذلك لأن الأعراض تضيع لأن الفتاة لابد لها من زوج لابد من تنفيذ ما فيها من الرغبة إلى الرجال إما عن طريق الحلال وإما عن طريق الحرام فإذا فاتها الحلال صارت عرضة للتماس الحرام لاسيما والمغريات كما تعلمون في وسائل الإعلام وفي وسائل الاتصالات وفي الاختلاط بين الفتيات في المدارس وغيرها فإن ما يذكر عن تجمع الفتيات يندا لها الجبين مما يجري بينهن من الفتنة والشرور وما يلقى لهن من قبل السفهاء ما يلقى إلهن من الاتصالات والخطابات والأشرطة وغير ذلك أنتم غافلون عن بناتكم ما تدرون ماذا يحصل لهن.
فتقوا الله، عباد الله، بادروا بتزويج الفتيات قبل أن يفوت الأوان ويحصل الخسران ولا تستطيعون بعد ذلك تدارك ما فات، فتقوا الله في بناتكم وفي مولياتكم إن ولي المرأة إذا تمانع من تزويجها من كفئها فإنه يكون عاضلاً لها والعضل كبيرة من كبائر الذنوب والعضل يجب أن يخلع ولايته عليها وتنتقل الولاية إلى غيره ممن بعده على يد القاضي على يد المحكمة الشرعية وذلك لتدارك الخطر الذي هو أشد الأخطار ضياع الأعراض ضياع والذراري ضياع الحياء ضياع الأخلاق
وإنما الأمم الأخلاق ما بقية فإنما ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والنساء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهن فتنة قال صلى الله عليه وسلم: ما تركتُ فتنة بعدي أشد على الرجال من النساء وقال عليه الصلاة والسلام: واتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء وليس من عاصي من هذه الفتن وهذا الفساد الكبير العريض إلا بالزواج الذي جعله الله عاصماً للفروج وحافظاً للفروج (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، عباد الله، قد يقول قائل أنا ما جاءني خطيب يخطب موليتي فنقول له أنت ألتمس زواجا لها ألتمس زوجاً صالحاً لها وخطبه لها لا مانع من ذلك قد كان الصحابة يخطبون لبناتهم من يصلح لهن من الرجال بل يستحسن ويستحب أن تختار لبنتك أو موليتك من ترضه لها وتعرض له ذلك، ثم اعلموا رحمكم الله أن هناك من يحذرون من الزواج في الصحف ووسائل الإعلام ليلاً ونهارا يحذرون من تعدد الزوجات الذي جعله الله فرجاً للرجال والنساء (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) فمن استطاع العدل بين الزوجات فإنه يعدد لأجل أن يأخذ قدر أكبر ممكن من النساء المتعطلات عن الزواج فهذا فيه مخرج عظيم لبواري النساء وعونستهن هناك من يحارب التعدد في الصحف والمجالات والجرائد والإذاعات ويشوه ذلك ويظن أن هذا ظلم للمرأة في حين أنه رحمة للمرأة وفظ للمرأة هناك من يحذر من تزويج الكبير من الصغيرة والنبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ولم يحدد سننا معينة وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهو كبير السن وهي صغيرة السن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم كانت من خيرة نسائه وهو القدوة للعالمين، كذلك هناك من يؤخر زواج موليته بحجة أنها ستكمل الدراسة أو أنها موظفة وتدر عليه من النقود والدراهم ما لو زوجها لنقطع عنه ذلك فهو يستثمرها ويستغلها أو المرأة أو الفتاة الجاهلة تفتن بالوظيفة وبالراتب وبالدراسة ولا تدري ماذا يفوتها من الزواج الذي به صلاحها وفلاحها وخيرها في الدنيا والآخرة تقدم الوظيفة والدراسة واكتساب الدراهم التي لا تعوضها مهما بلغت لا تعوضها عن الزوج الصالح، فتنبوا لذلك رحمكم الله، وكذلك من المعوقات عن الزواج كثرة التكاليف التي شنها السفهاء والجهال على الزواج من غلاء المهور ومن إقامة الحفلات والولائم الكبير التي لا يستطيعها كثير من الرجال قد كان ذلك سبباً في تأخير الزواج وأعظم النساء بركةً أيسرهن مؤنه فيسروا الزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتاكم من ترضون دينه أو أمانته وخلقه فزوجوه ولم يشترط لذلك مبلغ من المال أو عدد من المال حتى أقل القليل يكون مهراً للمرأة لأنه ليس المقصود من الزواج هو تحصيل المال وإنما المقصود تحصيل الزوج الكفء الذي يصلح به شأن المرأة.
فتقوا الله، عباد الله، واتركوا هذه التكاليف الباهظة اتركوا هذه الحفلات وهذه القصور وهذه الفنادق الفخمة اتركوا هذه السهرات اتركوا هذه الإجراءات اتركوا السفر بعد الزواج إلى ما يسمى بشهر العسل اتركوا هذه التكاليف التي بعضها لا يجوز وبعضها مكلف وبعضها شاق.
فتقوا الله، عباد الله، يسيروا الزواج لأجل أن تتزوج بناتكم ومولياتكم ولا تبقى في بيوتكم ثم بعد ذلك يترتب ما يترتب من الخسارة وضياع الأعراض إن المرأة لا غنى لها عن الرجل مهما كانت أولا لما فيها من الشهوة ثانيا لما تحتاجه من قوامة الرجل عليها وليس أبوها ولا أخواها بدائم لها.
فتقوا الله، عباد الله، بادروا بتزويج مولياتكم ولو أن تلتمسون من يصلح لهن ولو ان تيسروا وتسهلوا المبالغ التي أثقلت كواهن الأزواج وعرقلت الزواج ولا تستمعوا لهذا الدعاية القبيحة في الصحف والجرائد التي تشوه الزواج من الكبير أو تشوه التعدد أو أو إلى آخره.
اتقوا الله، عباد الله، فإنهن أمانة في أعناقكم وأنتم مسئولون عنهن والله جل وعلا قال:( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى) أمركم أمراً جازماً أمر إجاب (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ).
فتقوا الله، عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللهم أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، وصلح شأنهم,وأقمع عدوهم إنك على كل شيء قدير.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.