نعمة المطر وكيفية تكونه ونزوله إلى الأرض
الخطبة الأولى
الحمد لله على فضله وإحسانه،أحمده وأشكره وستعينه وستغفره، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته،وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه وإحسانه فإن نعمه لا تزال تتجدد عليكم فأحدثوا لكل نعمة شكرا، بالأمس كنتم مجذبين قد أنحبس عليكم المطر، وطال انتظاركم، واليوم والحمد لله فرج الله شدتكم، وأزال كربتكم، وأنزل عليكم المطر، فشكروه على هذه النعمة وحمدوه واستعينوا به واستغفروه في الحديث:قال عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره أو خيره منهم ينظر إليكم أزليين قانتين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب، ففي هذه الأيام منَّ الله على المسلمين على عباده عموماً وعلى مخلوقاته التي تحتاج إلى المطر فأنزل هذا المطر وعممه عليكم، فشكروا الله وحمدوه على هذه النعمة، إن في إنزال هذا المطر آيات وعبر، فالله سبحانه وتعالى يرسل الرياح فتثير السحاب(اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ)، ويرسل رياح تلقحه بالماء(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ )تلقحه بالماء في الجو، ثم يرسل رياح تحمله وتسوقه حيث أمر الله سبحانه، ثم يأمر الله هذا السحاب فيفرغ ما فيه من الماء وينزله بقدر معلوم، ففي إنزاله في أرض دون أرض، وعلى قوم دون قوم حكمة عظيمة، وفي كيفية إنزاله أنه ينزل قطرات متوازنة(وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) في ذلك عبرة عظيمة فلم يصبه الله صباً على الأرض بل ينزله على شكل قطرات متفرقة ليعم الأرض التي أمر الله أن ينزل عليها، وجعله مباركاً، وجعله طهوراً(وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً)،(وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً) فالله جلَّ وعلا جعله مباركاً طهوراً، وجعل فيه غذاءً ينبت النبات، ويروي العطاش، وهذا من رحمته سبحانه (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أي: من السحاب أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ)، لو شاء الله لجعله مالحاً زوعاقاً لا يشرب ولا ينتب نباتاً، ولكن الله جعل فيه هذه الصفات العظيمة ينبت به النبات والمراعي والزر وع، ويخزنه في الأرض لحاجة الناس، يخزنه في الأرض ويجعله ينابيع لحاجة الناس إليه في المستقبل، كل ذلك من رحمته سبحانه وحكمته وعظيم قدرته سبحانه وتعالى، فلنتفكر في حبسه عن من يشاء، ونتفكر في إنزاله على من يشاء، وتتفكر في كيفية نشوؤه، ومسيره بين السماء والأرض إلى حيث أمره الله سبحانه وتعالى فيحبسه عن أرض، وينزله على أرض أخرى، حسب أمره ومشيئته ورحمته سبحانه وتعالى(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فلنتفكر في هذا، لنستدل به على عظيم قدرة الله، وعلى عظيم رحمته سبحانه وتعالى بعباده، وننسب هذا المطر إليه لا إلى غيره من النجوم ولا المناخات ولا إلى الانخفاضات الجوية كما يقوله الجهال أو من ليس عنده إيمان، ننسب هذا إلى الله جلَّ وعلا ونشكره عليه وأنه لا أحد يقدر على إنزال هذا المطر ويبارك فيه إلا هو سبحانه وتعالى قال الله سبحانه(أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ*يعني القرآن وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)أي تنسبون المطر إلى غيره، صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر على إثر سماء كانت من الليل أي على أثر مطر نزل بالليل فلم أنصرف صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال: أتدرون ماذا قال ربكم، قالوا:الله ورسوله أعلم، قال:ربكم أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوي كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب .
فنتقي الله، ولنشكره على هذه النعمة، لنتفكر فيها على عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ)،(وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)، (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ رِزْقاً وهو المطر وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ)،(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قول هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين،سلَّم تسليماً كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
أيَّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل السحاب يتغير لونه عليه الصَّلاة والسَّلام ويقبل ويدبر، يدخل ويخرج، يخشى أن يكون عذاباً كما جعله الله عذاباً على قوم عاد، فإذا أمطرت السماء سوريَّ عنه صلى الله عليه وسلم وفرح بذلك، وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزل المطر يقول: مطرنا بفضل الله وبرحمته، اللهم صيب نافعا ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا كثرت الأمطار، وخيفا منه الضرر، يدعوا ربه فيقول: اللهم حولينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر ، هكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم فلنقتد به في ذلك، ونعتبر ولنتعظ وليكن عندنا خوفٌ من الله سبحانه وتعالى إذا أقبل السحاب فندعو الله أن يجعله رحمة وأن لا يجعله عذاباً هكذا يجب على المسلم عند نعمة نزول المطر، وعند غير ذلك من النعم، بعض الناس إذا نزل المطر وسارت الأودية يخرجون إلى البراري، ويحصل منهم مفاسد، ويحصل منهم لهو ولعب وهذا أمر لا يليق، ما بهذا تقابل النعمة، وإنما بشكر الله سبحانه وتعالى، لا مانع أن الناس يخرجون إلى المطر وإلى الأودية، ويشكرون الله سبحانه وتعالى، ويرفهون عن أنفسهم، لكن أن يجعلوا ذلك فرصةً للغفلة واللهو واللعب وإظهار المعاصي، وقد يكون أشدَّ من ذلك تضيع الصلاة فهذا أمر منكر، هذا كفرٌ للنعمة(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
فتقوا الله، عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، اللَّهُمَّ أجعل وليتنا فيما خافك واتقاك وتبع رضا يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي على المسلمين خيارهم في كل مكان يا ب العالمين، وكفهم شر شرارهم،(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
خطبة الجمعة 23-05-1431هـ